شقاء امرأة

جاءنا خاطبا ...انّه عزيز ... اسمه عزيز... عاد مؤخرا من الخليج ومعه الملايين ... معه وعنده و.. و.. وباختصار عريس تحلم به أي فتاة ... الا أنا طبعا ... لأن أحلامي كلها معلّقة بشخص واحد ...شخص ملأ عليّ دنياي ... انّه ابن عمي مصعب ... ماذا سأفعل هذه المرّة ...هذه المرّة الأمر مختلف ... في كل مرّة كنت أختلق الأعذار ... في كل مرّة كان يأتيني عريس كنت أتعلل بعذر ... مرّة بالدراسة ..ومرّة بأنّي ما زلت صغيرة على تحمّل مسؤوليّة بيت وأسرة ... ومرّة بعثت لمن يخطبني برسالة أوضحت له فيها بأنّي مرتبطة بشخص آخر ... ولحسن حظّي كان هذا الأخير متفهّما ... ولكن هذه المرّة غير ... انّه غني كثيرا ... وأهلي فقراء... أنه مستعدّ أن يشتري لأهلي بيتا غير تلك الخرابة التي يعيشون فيها ... لا أدري ما الذي يعجبه في فتاة مثلي ... ولكن لا وألف لا ... فأنا رسمت أحلامي مع مصعب ... يستحيل أن أكون لغيره ... آه ... أين أنت يا حبيبي... لما لا تأتي وتنقذني من هذه الورطة... كم أحتاجك الآن يا مصعب ... خمس سنين وأنا أكتوي بنار حبك ... أنت الذي علّمتني كيف أتعلّق فيك ... منذ نعومة أظافري وأنا لا أعرف في الدنيا الآك ... خمس سنين وأنا في كل يوم أنتظرك من وراء النافذة كي أراك وأنت عائد من المدرسة مع أصحابك ... في كل مرّة كنت أشتاق لك فيها كنت أذهب اليك بحجة موضوع الانشاء ... تشرح لي الموضوع وأنا أؤلف في ذهني ألف موضوع .. أنت موضوعي وأنت ملهمي ... في يوم أقول في نفسي غدا يأتيني مصعب ليطلب يدي ... ولكن هذا اليوم لا يأتي ... كل مرّة أختلق الأعذار للخطّاب ... ولكن هذه المرّة بما سأعتذر ... آه يا مصعب ... لماذا لا تأتي ... أمعقول أنك لا تبادلني نفس شعوري ؟... أيعقل أنك لم تحس بي يوما ؟... ألم تقرأ لهفتي عليك في عيوني ؟... ألم تر حمرة خداي حينما أنظر اليك؟... ألم تر دمعتي المتحجّرة من حرقة شوقي اليك؟... ألم تراني لا أرضى عندما تضربني أمي الا عندما تواسيني أنت؟... اليوم أحتاجك أكثر من أي وقت مضى ... أيعقل أنك ما زلت تراني صغيرة؟... لقد صار عمري خمسة عشر... ربما لست بعمرك ...ربما أكون صغيرة عليك.. لأنك تكبرني بسنوات... ولكني كبيرة بحبي لك ... فأنا كبرت مذ أحببتك.. آه .... آه... وما أقواها من آه... ماذا سأفعل ؟..تائهة .. حائرة.. أكاد أجن .. لمن سألجأ ؟.. ليس لي الآك يا مصعب ... ولكن ... آه.. كيف ؟... كيف سأخبره ؟.. عفّتي وكبريائي يمنعاني ... رأت أختي دموعي ... سألتني عن سببها ... وبعد تردد أخبرتها ... رثت لحالي ... وبكت لأجلي ... وعدتني بأن تكلّم مصعب بالموضوع ... عاد الأمل مرّة أخرى الى قلبي ... أضاءت شعلته أختي ... ورحت كعادتي أسرح في عالم الخيال ... أبني آمالا ... وأرسم أحلاما... عادت السعادة الى قلبي المحطم مرّة أخرى ... عشت سعادة لا مثيل لها ... ولكنها مع الأسف في الخيال ... ولكنها جميلة رغم كونها مزيفة ... حتى هذه السعادة لم تدم ّ.!.. فقد تحطمت على صخرة الواقع! ... نعم الواقع الذي أتت به
أختي وهي عائدة من عنده !... هي كأختي هذا احساسي تجاهها ... آه ... آه ... آه يا مصعب ليتك ما زلت بخيالي كما كنت ...ليتني لم أبعث اليك ... ليتك بقيت ذاك الشعاع الذي يدفّئني ... يشعرني بالأمان ... ليتك بقيت ذاك المثل الأعلى ... ماذا سأفعل ربي ؟... هل عليّ الرضوخ ؟... نعم ... ليس باليد حيلة ... فقد سدت بوجهي كل الطرق ... ولكن لا ... ما زال هناك طريق ... ما زال هناك باب ... باب مفتوح لا يغلق أبدا ... انّه باب الله ... سأسلّم أمري له ... سأرضى بما يختاره لي ... فعسى تكون السعادة بقدر الله ... هو خلقنا ولن يرضى لنا الهوان .. سأرضى بنصيبي ... انه عزيز ... فعسى الله يكتب لي الخير على يديه ... سلّمت لله أمري ... انه ربي ... لن ينساني .. لن ينساني ... تم كل شيء بسرعة ... الخطوبة والعرس ... كل شيء كان ميسّرا ... عاهدت ربي من أول يوم أن أكون له الأمة .. هكذا أوصتني أمي ... كوني له أمة يكن لك عبدا ... وكوني له أرضا يكن لك سماءا ... كوني له كما يحب ترين منه ما تحبين ... أخلصت النية تجاهه ... وقرنتها بالعمل ... ووضعت كل ذلك بين يدي ربي ... فعسى ربي لا يضيّعني ... حاشاه ربي يضيع لعامل عملا... عشنا سنوات ليس فيها الكثير من الحب ولكن تكفينا المودّة ... أنجبت له رغد وشهد وأخيرا فراس ... أعطيت أولادي كل الحب الذي ملأ كياني ... أوليتهم كل اهتمام... أنشأتهم على طاعة الله ... أسهر معهم على دروسهم ... أفيق قبل الجميع ... أحضّر لهم الفطور ... أدعو الله لهم حتى في نومي ... أخذوا كل وقتي ... لم أعد أهتم بنفسي ولا بصحّتي ... هزل جسمي ... كل اهتمامي كان منصبّا على الأولاد... صار هناك هالة سوداء حول جفوني ... صار شكلي كالفزّاعة ... كأنّي صرت بالخمسين من عمري وأنا ما زلت بالخامسة والعشرين ...ولعل زوجي ملّ مني ... نعم انّه كذلك ...صار يغيب كثيرا عن المنزل ... يسهر حتّى وقت متأخر بالخارج ...لم يعد يسأل لاعنّي ولا عن الأولاد ...وعندما يسألني الأولاد عنه أقدّم لهم الأعذار ...حتى وجبة الغداء التي كانت تجمعنا ... صار يغيب عنها ... ترى ما الذي يشغله عنّا ؟...الى أين يذهب بسهراته؟... أيعقل أنه...لا ...أستغفر الله... انّ بعض الظن اثم ...ولكن الأسئلة في ذهني كثيرة ... أسئلة تحيرني ... كفاني ما أنا به من تعب ...أينقصني همّ فوق همّي ؟...وأخيرا... وصلتني الأجوبة على أسئلتي ...كيف ...نعم أتاني في المساء ودون أن يقرع الباب كما كان يفعل سابقا...فتح الباب بمفتاحه ...دخل وقال ...اتفضّلي ...ظننت أنّه يخاطبني ...ولكني لم أكن المقصودة ...دخلت وراءه فتاة في العشرين ... تسمّرت عيناي فيها ...قال انها زوجتي ميساء ...كأنّه قطع التيار الكهربائي عن المنزل ...أظلمت الدنيا في عيوني ...وكأن روحي فارقت جسدي المنهك أصلا ... لم أفق الا بعد ثلاثة أيام حينما رفعت رأسي لأجد نفسي بمشفى ابن النفيس ...صحوت ولكنّي متأخّرة ... آه... وآه... ,ألف آه ... انتهت حياتي ... انها مأ ساتي ...كأ ني والشقاء ولدنا لنكون أشقّاء ... أكلني لحما وها هو يرميني للكلاب ... أذنبي أنّي قصّرت قليلا بحقّه؟...أليسوا أطفاله ؟... ألا يجب أن يصبر عليّ هو أيضا ؟... بهذه السهولة هنت عليه؟... ولكن لا لن أستسلم ...ما زال عندي ايمان ... ايمان بالله لا يتزحزح... هكذا كتب عليّ... انّه ابتلاء من الله وعليّ الا أضيّع ثواب صبري على البلوى... رجوته رجاء أخير ...أن يترك لي الأولاد ... لعلّي أجد فيهم ما لم أجده في غيرهم ...لعلّي بكفلي اياهم أنال جوار حبيبي محمد صلّى الله عليه وسلّم ...سأكمل المشوار معهم ... سأعمل لأجلهم ليل نهار ... أطعمهم من الحلال الطيب ...لن أحرّضهم ضد أبيهم الذي باعني ... باع كل تضحياتي ...سأجعلهم بارّين بي وبأبيهم ...سأعلّمهم محبة الله ورسوله...ويعينني الله على تربيتهم ...لي رب لا ينساني ... لي رب لاينساني ... لي رب لا ينساني